مراحل نمو نبات القمح

مراحل نمو نبات القمح

يُعد نبات القمح من أهم المحاصيل الزراعية الاستراتيجية في العالم، وهو يشكل الغذاء الأساسي للملايين من البشر، ويمثل أحد ركائز الأمن الغذائي للدول. ولأهمية القمح في السلسلة الغذائية العالمية، فقد اهتم الباحثون والمزارعون على حدٍ سواء بفهم المراحل المختلفة لنمو هذا النبات، لأن التحكم الدقيق في كل مرحلة يساعد في تعظيم الغلة وتحسين جودة الحبوب. إن نمو القمح عملية بيولوجية معقدة تمر بعدة مراحل فيزيولوجية واضحة، تبدأ منذ وضع البذور في التربة وتنتهي بحصاد السنابل الممتلئة بالحبوب. تعتمد كل مرحلة على الظروف البيئية المحيطة مثل التربة، المناخ، الإضاءة، وكمية المياه المتاحة.

في هذا المقال سنقوم بتفصيل شامل لمراحل نمو نبات القمح، من الزراعة إلى الحصاد، مع توضيح العوامل المؤثرة في كل مرحلة والتغيرات المورفولوجية والفيزيولوجية التي تطرأ على النبات.

المرحلة الأولى: الإنبات (Germination)

تبدأ هذه المرحلة فور زرع بذور القمح في التربة وتعرضها للرطوبة ودرجات حرارة مناسبة. وخلال هذه الفترة، تمتص البذور الماء من التربة، وهو ما يُنشّط الإنزيمات التي تحلل المواد المخزنة داخل البذور لتوفير الطاقة اللازمة لنمو الجنين.

المراحل الفرعية للإنبات:

• امتصاص الماء: تتضخم البذرة بفعل دخول الماء.

• تنشيط الإنزيمات: تبدأ البذرة بإنتاج إنزيمات مثل الأميليز الذي يحول النشاء إلى سكريات بسيطة.

• بروز الجذير (Radicle): وهو أول جذر يخرج من البذرة، يتجه لأسفل ليثبت النبات في التربة.

• ظهور السويقة (Coleoptile): وهي غلاف يحمي البرعم النامي وهو في طريقه لاختراق سطح التربة.

تُعد هذه المرحلة حاسمة لأنها تحدد نسبة نجاح الإنبات، وتُؤثر بشكل مباشر على كثافة النباتات في الحقل.

المرحلة الثانية: الظهور فوق سطح التربة (Seedling emergence)

بعد بروز الجذير ونمو البرعم إلى الأعلى، يبدأ البرعم في اختراق سطح التربة ويظهر الجزء الأخضر الأول للنبات، وهو ما يُعرف بالظهور أو “بزوغ الشتلة”. وتتمثل أهمية هذه المرحلة في بداية التمثيل الضوئي، حيث يبدأ النبات في إنتاج غذائه بنفسه.

الظروف المثالية لهذه المرحلة:

• درجة حرارة بين 15-20 درجة مئوية.

• تربة جيدة التهوية وغنية بالعناصر المغذية.

• خلو التربة من مسببات الأمراض مثل الفطريات والبكتيريا.

يتطلب نجاح هذه المرحلة تفادي تقلبات درجات الحرارة المفرطة أو الري الزائد الذي قد يؤدي إلى تعفن الجذور.

المرحلة الثالثة: مرحلة التفريع (Tillering)

في هذه المرحلة يبدأ نبات القمح بإنتاج براعم جانبية تُسمى “الفسائل” أو “الفروع”، تخرج من قاعدة النبات وتشكّل الوحدة الإنتاجية للقمح، حيث أن كل فرع يمكن أن يعطي سنبلة مستقلة.

خصائص هذه المرحلة:

• تبدأ عادة بعد 3-4 أسابيع من الزراعة.

• عدد الفروع المنتجة يعتمد على كثافة الزراعة والخصوبة ونسبة الرطوبة.

• زيادة التفريع تزيد من عدد السنابل المحتملة، وبالتالي زيادة الإنتاج.

العوامل المؤثرة:

• الإمداد الجيد بالنيتروجين.

• التوازن بين الحرارة والرطوبة.

• المسافات المناسبة بين النباتات.

المرحلة الرابعة: مرحلة الاستطالة (Stem Elongation)

في هذه المرحلة تبدأ السيقان الرئيسية والفروع بالاستطالة وتصبح أكثر طولاً، وتُظهر المفاصل بين العقد بشكل أوضح. كما تبدأ الأجزاء الزهرية بالتشكل داخل البراعم.

الخصائص الفيزيولوجية:

• زيادة في طول النبات نتيجة لانقسام وتمدد خلايا الساق.

• انتقال المواد الغذائية من الأوراق إلى الأنسجة النامية.

• ارتفاع في معدل التمثيل الضوئي لتلبية متطلبات النمو المتزايدة.

المخاطر في هذه المرحلة:

• الرياح القوية قد تسبب الرقاد.

• نقص البوتاسيوم أو الفسفور قد يحد من النمو.

• الآفات مثل المنّ قد تؤثر على الأداء الحيوي للنبات.

المرحلة الخامسة: مرحلة التسنبل (Booting and Heading)

تبدأ مرحلة التسنبل عندما تدخل السنبلة في طور النمو داخل الساق، وتستمر حتى تخرج بشكل كامل من الغلاف النباتي. بعد ذلك، تظهر السنبلة كاملة فوق الساق.

أهم التغيرات في هذه المرحلة:

• تكوين الأزهار داخل السنبلة.

• امتلاء قواعد الأزهار بالغذاء.

• بداية التحول من النمو الخضري إلى التناسلي.

تُعد هذه المرحلة من أكثر المراحل حساسية، حيث أن الظروف الجوية السيئة مثل الأمطار أو البرد القارس قد تعيق خروج السنبلة أو تسبب تشوهها.

المرحلة السادسة: الإزهار (Flowering/Anthesis)

تمثل هذه المرحلة انتقال النبات من الطور الخضري إلى الطور التناسلي الكامل. وتبدأ الأزهار بالتفتح تدريجياً من منتصف السنبلة إلى الأعلى والأسفل. وتستمر هذه العملية لعدة أيام، وهي لحظة حاسمة في إنتاج الحبوب.

العمليات الحيوية:

• يتم الإخصاب الذاتي داخل الزهرة.

• تبدأ عملية تكوين الجنين داخل البذور.

• انتقال المواد الغذائية إلى البذور النامية.

المخاطر في هذه المرحلة:

• ارتفاع درجات الحرارة أو الجفاف قد يؤدي إلى فشل الإخصاب.

• الإصابة بالأمراض مثل صدأ القمح أو التفحم تؤثر على كفاءة الإزهار.

المرحلة السابعة: ملء الحبوب (Grain Filling)

بعد نجاح الإخصاب، تبدأ البذور بالتكون داخل السنبلة وتمتلئ بالمواد الغذائية، خصوصاً النشاء والبروتينات. وتستمر هذه المرحلة عادة من 20 إلى 30 يومًا حسب الظروف البيئية والصنف المزروع.

الآليات المرافقة:

• امتصاص المعادن مثل البوتاسيوم والزنك.

• ارتفاع استهلاك النبات للسكر الناتج عن التمثيل الضوئي.

• نمو سريع لحجم ووزن الحبة.

أنواع الملء:

المرحلة الثامنة: النضج الفيزيولوجي (Physiological Maturity)

تُعرف هذه المرحلة بتوقف النمو الكامل للبذور، ويكون لون السنبلة قد بدأ بالتغير إلى الأصفر الذهبي، وتصبح البذور صلبة. عند هذه النقطة، يكون النبات قد أكمل كل وظائفه الحيوية، وتبدأ عملية التهيئة للحصاد.

أهم المؤشرات:

• توقف نقل الغذاء إلى الحبوب.

• جفاف السيقان والأوراق تدريجياً.

• انخفاض محتوى الرطوبة في الحبوب إلى حوالي 30%.

المرحلة التاسعة: مرحلة النضج الكامل والحصاد (Harvest Maturity)

في هذه المرحلة تصل الرطوبة في الحبوب إلى ما دون 14%، ويصبح لون النباتات ذهبياً بالكامل، ويمكن قطع النبات دون أن تفقد الحبوب أو تتعرض للتلف.

خصائص هذه المرحلة:

• الحبوب أصبحت قابلة للتخزين.

• انخفاض محتوى الماء في جميع أجزاء النبات.

• بداية فقد تدريجي للمواد الغذائية إن تأخر الحصاد.

التحديات:

• التأخير في الحصاد يؤدي إلى تساقط الحبوب.

• الأمطار المتأخرة قد تسبب إنباتًا قبل الأوان داخل السنبلة (ظاهرة الإنبات الداخلي).

العوامل المؤثرة في جميع مراحل النمو

الخاتمة العلمية

يمر القمح بسلسلة معقدة ومنظمة من المراحل الحيوية التي تُحدد في النهاية كمية ونوعية المحصول. تبدأ هذه المراحل بالإنبات وتنتهي بالحصاد، وتتطلب كل مرحلة مراقبة دقيقة وإدارة زراعية مدروسة للحصول على أعلى مردودية. الفهم الدقيق لتسلسل هذه المراحل واحتياجات النبات في كل مرحلة يمكّن المزارعين من اتخاذ قرارات رشيدة في التسميد، الري، ومكافحة الآفات، ما يساهم في تحقيق الأمن الغذائي على المستوى المحلي والعالمي.

المراجع:

1. FAO – Food and Agriculture Organization of the United Nations, Wheat Growth and Development.

2. Rajaram, S. (2001). “Wheat: Production, Growth and Development.” International Maize and Wheat Improvement Center (CIMMYT).